بهاء الله

النبأ العظيم المذكور في كتب الله


ظهور المهدي وعيسى

قال تعالى في سورة النساء: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَإِن مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِمْ شَهيد"[١] والواضح أن الحديث في هذه الآيات عن السيد المسيح.


ولكن اختلف المفسرون في معنى "قبل موته" فذهب الغالبة إلى أن الآية تبشر بيوم الجمع عندما يؤمن كلّ أهل الكتاب بسيدنا عيسى قبل موته - أي المسيح - في مجيئه الثاني، وذهب البعض إلى أن الآية تعني أن كل أهل الكتاب في لحظة موتهم يؤمنون بسيدنا عيسى. وينقل ابن كثير عن ابن جرير قوله: "وأولى هذه الأقوال بالصّحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلاّ آمن به قبل موت عيسى عليه السلام".


ويعلق ابن كثير على ذلك بقوله: "لا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريباً فيقتل المسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حيئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم"[۲]. واستشهد ابن كثير بعد ذلك بعدد من الأحاديث النبوية الشريفة في عودة المسيح، نكتفي بذكر واحد منها: "قال البخاري رحمه الله في كتاب ذكر الأنبياء عن أبي هريرة قال، قال رسول الله: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وحتى تكون السجدة خيراً له من الدنيا وما فيها". وحديث نبوي آخر ورد في الفتوحات المكيّة عن رسول الله أنّه قال: "فوالذي بعثني بالحقّ نبيّاً لو لم يبقى من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي ثمّ ينزل روح الله خلفه ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب".


ورغم ذلك تركت أقوال المشكّكين في ظهور المهدي أثرها في تفكير أهل السّنّة. فانقسموا إلى مذاهب أنكر بعضها الرّوايات الخاصة بظهور المهدي واعتبروها من الإسرائيليّات، بينما ذهب فريق آخر إلى أن هذه أوهام تنتشر عادة في البيئة التي يسود فيها الفساد والظلم والفاقة فيتشبث الناس بأمل الفرج على يد مبعوث إلهي، وبقي فريق ثالث على قديم اعتقاده بمجيء المهدي وإن لم نعد نسمع الكثير عن هذا المجيء. أمّا أهل الشّيعة، فقد بقي اعتقادهم راسخاً في أنّ قائم آل محمّد - أي المهدي – لا بدّ أن يظهر، وأنّ عيسى لا بدّ أن ينزل، إلاّ أنّهم يعتقدون بأنّ ظهورهما لا يعني نزول كتاب سماويّ جديد، لأنّهما سيحكمان بشريعة محمد، وتكون مهمّتهما أساساً تغليب الإسّلام على سائر الأديان، وهذا هو الرأي السائد أيضاً بين من بقي من أهل السنّة على قديم اعتقاده بظهور المهدي ونزول عيسى.


خلاصة القول أن مجيء المهدي ونزول عيسى كانت قضيّة مسلّم بها إجماعاً في الماضي، ولا دليل اليوم يحملنا على الرّيب فيها. ولكن بقي أن نعرف هل هناك سرّ في حديث لا مهدي إلاّ عيسى فنحاول أن نستعين بالله في الكشف عنه؟ وهذا السّؤال يسوق إلى مزيد من الأسئلة: لماذا عيسى بالذّات هو الّذي ينزل في آخر الأيّام؟ ولماذا لا يكون محمد أو موسى أو إبراهيم، أو أيّ رسول آخر من رسل الله، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؟ هل يرجع ذكر نزول المسيح إلى خصائص ميّزت رسالته؟


نسوق هذه الأسئلة لأنّها تساعد الباحث على معرفة القيمة الحقيقيّة لقول من قالوا بأنّ المسحاء الذين يظهرون من بعد محمد هم الأولياء ورثة الأنبياء، على الرّغم من أننّا أمام نصوص واضحة صريحة في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشّريفة بأن الموعود بالنّزولّ هو عيسى واحد فقط وليس مسحاء ولا أولياء. نعم إنّ العلماء ورثة الأنبياء ومع ذلك فمقام العلماء شيء، ومقام الأنبياء شيء آخر، مقام الأنبياء يظلّ مقام الفيض ومقام العلماء مقام الاستفاضة.


ورد في القرآن والإنجيل والتّوراة ذكر علامة تقدّمت ظهور سيّدنا المسيح منذ عشرين قرناً، ألا وهي ظهور يحيى بن زكريّا، معلناً أنّه مصدّق بكلمة منه، ومبشّر بظهور أعظم يوشك أن يكشف النّقاب عن جماله وجلاله. ونادى يحيى بين النّاس قائلا: "توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات"، وعنى بملكوت السّماوات ظهور الحقيقة الإلهيّة والهداية الربّانيّة الّتي تجلّت فعلاً من بعده بإشراق شمس جمال المسيح عليه السّلام، ثمّ قدّم يحيى رأسه في النّهاية فداء للظّهور الأكرم، وشهادة منه إلى النّاس.


تلك كانت علامة مجيء المسيح، إذا دقّقنا النظر فيها فلن نخفق في فهم المعنى المراد بنزول عيسى أو بعودة المسيح، لأنّ كليهما يعني شيئاً واحداً، وهو أنّه في آخر الأيّام يظهر مبعوث إلهي عظيم كريم كنيته "المسيح". فنزول المسيح لا يعني شخصه الأوّل لحماً ودماً، بل هو تعبير مجازي لمجيء رسالة تماثل في ظروف مجيئها رسالة عيسى ابن مريم عليه السلام. وبعبارة أوضح، فإنّ ظهور الموعود يكون مسبوقاً بمبشّر يهيّئ لمجيئه، مثل يحيى الّذي تقدّم ظهور المسيح.


والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة: "يَومَ تَرْجُفُ * الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ... فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ "[٣]، ومعنى الزّجرة الواحدة هي أنّ الرّاجفة والرّادفة هما صيحة واحدة، لاتحادهما في المصدر والجوهر والغاية والزمن، ولهذا فقد أشار حضرة بهاء الله إلى الباب الذي بشّر به بقوله "إنّه مظهري الأوّل".


فما وظيفة هذين المظهرين المباركين؟ يعتقد المسلمون بأنّ ظهورهما يكون لتجديد الإسلام. ويعتقد المسيحيّون بأنّ عودة المسيح هي لنشر الإيمان بالمسيحية في العالم. وينتظر اليهود بدورهم المسيح لإعادة مجد داود وإعلاء شأن التّوراة. فكلّ هذه الملل تعتقد في أن مجيء المبعوث إلإلهي المشار إليه بالمسيح سيعيد شريعتهم إلى نقائها الأوّل، ويعيد إلى الأمّة مجدها الغابر، وتترّقب هذه الملل يوم ظهوره بابتهال وحنين، ولكن كيف سيتعرفون عليه؟ ويعلق على ذلك الكاتب الأمريكي وليم سيرز: "فما زال هناك ترقّباً شديداً لظهور المسيح في أماكن عديدة من العالم، ولكنّي أدركت بأن التعرّف عليه سيكون عسيراً جداً، ما دام أنّه مُنتظر أن يكون أبيضاً في أوربا، وأسوداً في إفريقيا، وأصفراً في الشرق الأقصى، وأسمراً في الجزر، وأحمراً عند هنود أمريكا. وتضاعفت صعوبة مهمتي عندما علمت أنّ من المتوقع أن يكون مسيحياً في الغرب، وهندوسياً في الهند، وبوذياً في الصين، ويهودياً في إسرائيل، ومسلماً بين العرب، وزردشتياً بين الفرس"[٤].


هذه هي الصّور العالقة في أذهان أهل العالم في ترقبهم لظهور الموعود، وهي لا تنسجم مع منطق الآية المباركة: "فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ"، فالجمع والتوحيد إنما هو جزء من الخطة الإلهية الشاملة، ولكن لم يكن في مقدور المفسّرين أن يتكهّنوا بهذه الخطّة قبل أن يكشف الله كنهها ويظهر تأويلها، كما لم يكن في مقدورهم تصوّر أشخاصها المباركة قبل ظهورهم من مكمن قدرة الله. فالرّاجفة والرّادفة هما كناية عن المظهرين المباركين "الباب" و"بهاء الله" المرموز لهما بالمهدي والمسيح، وهما المنفّذان لخطّة الله بحيث يتم بمجيئهما توحيد دين الله الّذي جرت سنّة الله على توسيع آفاقه بدقّة وانتظام في أزمنة متوالية.


وتحقّق الوعد، وظهر من مكمن الغيب "الباب" و"بهاء الله" في اليوم الموعود وجاءا بتأويل الكتاب، ووهبا للعالم صحفاً مطهّرة فيها كتب قيّمة، فيها فصل الخطاب، وبها ينتهي النّزاع والجدال وتتجلّى الحقائق الّتي طمستها الأفهام المتغايرة، وبذلك رسما طريق الفلاح لتعيش الأمم والشعوب والقبائل والأجناس في ظلّ خيمة الاتحاد والوفاق والسّلام. والاعتراض اليوم على حضرة بهاء الله يعيد إلى الأذهان المأساة المتكرّرة عبر التّاريخ والتي ورد تفصيلها في سورة هود، وتكذيب الأمم لكل من بعثهم الله لهدايتهم.


نضيف إلى ما سبق حديثين شريفين لعلهما يساعدان على تكوين فكرة صحيحة عن طبيعة المهام العظيمة الّتي لا بدّ لهذين المظهرين المباركين الموعودين أن يضطلعا بها. الحديث الأوّل: روى الحاكم في المستدرك الأوّل عن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: "إنّ روح الله عيسى نازل فيكم فيدقّ الصّليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو النّاس على الإسلام فيهلك في زمانه المسيح الدّجّال، وتقع الآمنة على أهل الأرض حتّى ترعى الأسود مع الإبل والنّمور مع البقر، والذّئاب مع الغنم، ويلعب الصّبيان مع الحيّات لا تضرّهم" والحديث الثّاني: روى البخاري بسنده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "والذّي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصّليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد حتّى تكون السّجدة الواحدة خير من الدّنيا وما فيها".


لا يمكن فهم هذين الحديثين إذا قصرنا معناهما على ظاهر الألفاظ، لأن رعي الأسود مع الإبل، والنّمور مع البقر، والذّئاب مع الغنم مستحيل في نظام الطّبيعة، فالإبل والبقر والغنم غذاء الأسود والنّمور والذّئاب، ولا يمكن الجمع بينهم في وئام إلاّ في فرضين، الأوّل: أن يتجرّد أحد الفريقين عن طبيعته وحينئذ لا يصدق عليه وصف الأسود والنّمور والذّئاب أو وصف الإبل والبقر والغنم وتصبح حيوانات أخرى، وليس هذا منطوق الحديثين ولا غايتهما. والفرض الثّاني: أن نحمل معنى الحديثين على المجاز فيكون مراده التوفيق بين الأمم المتناحرة، وتنسيق مصالحهم بحيث لا يكون بينهم فيما بعد آكل ومأكول أو طغاة ومستضعفون.


وفي التّوراة نص قريب الشّبه مما ورد في الحديثين الشّريفين، على الرغم من مرور ألفين من السّنين بين زمن التّوراة وزمن محمد، فقد ورد في إشعيا قوله: "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الحِكْمَةِ وَالفَهْمِ رُوحُ المَشُورَةِ وَالقُوَّةِ رُوحُ المَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ. بَلْ يَقْضِي بِالعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيْبِ فَمِهِ وَيُمِيْتُ المُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ ..... فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الخَرُوفِ وَيَرْبُضُ النِّمْرُ مَعَ الجَدْيِ وَالعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالمُسَمَّنُ مَعاً وَصِبَىٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُها. وَالبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعاً الأَسَدُ كَالْبَقَرِ يِأْكُلُ تِبْناً. وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ وَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي لأِنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي المِيَاهُ البَحْرَ"[٥].


والخلاّصة أنّه في اليوم الموعود المعروف باليوم الآخر يكسر الصّليب، وتطّهّر الأرض، وتبطل الحروب، ويستتبّ الأمن، وتبطل الجزية، وتتحقّق العدالة الاجتماعية، ويتأسّس السّلام العام. فالمراد من لفظة كسر الصّليب الواردة على سبيل المجاز هو القضاء على الظّلم والقسوة والتّعذيب، وحلول عهد جديد تزول فيه الهمجيّة والظّلم، وتحلّ العدالة ويقوى سلطان القانون وتسود حقوق الإنسان. وقس على هذا النمط الخنزير، فإنّه أطلق مجازاً على حياة القَذَارَة الّتي يؤدي إليها فقدان الأخلاق والحرمان من الهداية. وكذلك لفظة القردة، فإنّها ترمز إلى الإنسان الّذي يلغي عقله، ولا يحكم على الأشياء بنفسه، ويرضى بالتّقليد الأعمى.


وبالاختصار، كل ما جاء في الكتب المقدّسة، والأحاديث الشّريفة بهذا الشأن، يشير إلى تغيير جذري في حياة الإنسان ظاهراً وباطناً، فإزالة أسباب المفاسد والشّرور، وإصلاح المجتمع وإقامة العدل، واحترام حقوق الإنسان، واستتباب السّلام، هي نتائج الإصلاح الديني وثمراته، ولو كان مراد هذه الآيات والأحاديث معانيها الظاهرة لما احتاج الأمر لإرسال الرسل لكسر الصّليب وقتل الخنازير، فالبشر كفيل بذلك، ولا هي أعمال تليق بسمو مقامهم وجلال مهامهم. والمتدبّر في الحديثين المباركين يخرج بثلاث حقائق جوهريّة: الأولى: أنّ الباب وحضرة بهاء الله المشار إليهما بالمهدي والمسيح، يكسران الصّليب ويقتلان الخنزير. ومعنى هذا أنّ زمن القضاء المبرم على الظّلم والهمجيّة والانحطاط الخلقي موكول إلى المستقبل وموقوت بظهور المهدي وعيسى. والحقيقة الثّانية: أنّ الباب وحضرة بهاء الله سيأتيان بنظام يزيل أخطار الحرب، ويبطل الجزية، أي بشرع جديد. والحقيقة الثّالثة: أنّهما يوفّقان بين الأمم المتعادية، ويزيلان العداوة التّقليديّة من بين الملل، ويسكبان من روحهما الخلاّق ما يطفئ نيران التّعصّب بكافة أشكاله، فيعمّ التّعاون والتّآزر والسّلام.


ما أردنا بهذا البحث الموجز إلاّ لفت الأنظار إلى ما أحدثه تفسير المتشابهات من اضطراب في الفكر الدّيني بحيث مزّق الوحدة الفكريّة للأمّة، وأضعف الطّاقة الرّوحيّة والقدرة على التّمييز بين الغثّ والنّفيس، أو بين مراد الله وأوهام البشر وظنون المفسّرين. وكلّما حاول المصلحون إخراج الفكر الدّيني من جموده ازداد انقسامه بظهور المزيد من المذاهب والفرق على نقيض الكلمة الإلهيّة الجامعة لأشتات الملل والموحدة للأفكار المتفرّقة، وقدرتها على جمع الكل فكريّاً وروحانيّاً في أمّة وطيدة الأركان.



"يَا ابْنَ الرُّوحِ ... أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لَا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِبًا وَلَا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِينًا وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ."
%
تقدم القراءة